أكثر من مليوني ونصف زائر يحيون ذكرى استشهاد زيد بن علي (عليهما السلام) وسط أجواء أمنية وخدمية مكثفة
تقرير حسين النعمة
أحيا أكثر من مليوني ونصف زائر من محبي أهل البيت (عليهم السلام) ذكرى استشهاد زيد بن الإمام علي السجاد (عليهما السلام)؛ في الثالث من صفر في مزار زيد الشهيد حيث بدأ توافد المحبين والموالين منذ الأول من شهر صفر ولغاية الرابع منه ضمن أطار امني وخدمي تكلل بنجاح الزيارة التي شهدت في عامها هذا توافدا إعلاميا لمختلف المحطات (المرئية والمقروءة والسمعية) والتي سلطت الأضواء على حجم الزيارة واستنفار الأمانة الخاصة للمزار لتهيئة ما يلزم من أمور لنجاح الزيارة..
فيما أحيا أكثر من مليون زائر ذكرى شهادة الإمام زين العابدين (علي بن الحسين) من خلال أدائهم مراسيم الزيارة في مرقد الشهيد (زيد بن علي بن الحسين) في الخامس والعشرون من شهر محرم الحرام لعام 1433 هـ.
وقال الشيخ (قاسم الحسناوي) الأمين الخاص لمزار زيد الشهيد (عليه السلام) بأن "الزيارة تعدت المليوني والنصف زائر وتكللت بالنجاح بجهود خدمة المزار والجهات الأمنية والرقابية"، مضيفا إن "الزيارة شهدت إقبال العديد من منتسبي العتبات المقدسة، من العتبة العلوية والحسينية المقدستين وكذلك من المزارات الشيعية كمزار الحمزة الغربي ومزار ميثم التمار لإبداء الخدمة ومعاونة خَدمة المزار الأمر الذي يؤكد إن منتسبي العتبات المقدسة والمزارات الشيعية هُم همهمٌ متواصلةٌٌ لخِدمة المذهب المقدس وإبراز شعائره الدينية بإحياء مناسباته سنويا"..
وبين الحنساوي على أثر تساؤلات الزائرين عن تأخر مزار زيد الشهيد (عليه السلام) بالأعمار بأن "هنالك جملة من المشاريع المستقبلية منها توسعة الحرم وبناء منشاءات صحية وأروقة استراحة مسقفة" مؤكدا إن "هنالك ميزانية معدة من مجلس محافظة بابل للمزارات الشيعية وسيكون لمزار زيد (عليه السلام) النسبة الكبيرة من هذه التخصصات المالية تأمل منها الأمانة الخاصة للمزار شروعها بالعديد من المشاريع التي تصب في المزار وزائره الكرام"..
ومن جانبه أشار السيد (ظافر العميدي) نائب الأمين الخاص للمزار المشرف، الى "التنسيق الكبير بين الأمانة الخاصة للمزار وباقي الأجهزة الأمنية والخدمية لتوفير وتهيئة الأجواء الأمنية والخدمية خلال الزيارة المشرفة".
وأضاف العميدي إن "التغطية الأمنية للزيارة كانت بأشراف الفريق الركن عثمان الغانمي الذي وضع الخطة الأمنية والتي شهدت النجاح خلال أيام الزيارة ودون أية خروقات أمنية"، فيما ذكر إن "طبيعة الخدمات التي قدمت خلال الزيارة كانت بإشراف الأمانة الخاصة للمزار على المستوى الصحي والخدمي"، مشيرا الى "فتح مضيف الشهيد زيد (عليه السلام) لهذه السنة وقدم فيه أكثر من (15000) وجبة طعام ليومي الزيارة في الثاني والثالث من صفر الخير".
ودعا العميدي "ديوان الوقف الشيعي وأمانة المزارات الشيعية العامة الى تهيئة ظروف أحسن خدمة لزائري الشهيد زيد (عليه السلام)".
الى ذلك طالب الزائرون بتحسين أوضاع المزار والعمل على فتح منافذ أكثر تسع الحشود المليونية التي وفدت لأحياء ذكرى استشهاد زيد (عليه السلام)، كما أشار البعض منهم من تحسن الخدمات لهذا العام بالرغم من قلة الإمكانيات التي من المفروض على الأمانة العامة للمزارات الشيعية في العراق أن تعمل على توفيرها خاصة خلال الزيارات المليونية..
فيما رحب أهالي المدينة النائية عن مركز المحافظة والتي يقع فيها مزار الشهيد زيد (عليه السلام) الحشود الغفيرة فاتحين أبواب بيوتهم على مصراعيها مَضِيفا للوافدين..
النظرة المتأملة في نشأة التعليم تجرنا الى قرون عديدة خلت في التاريخ القديم فليس التعليم نشأة واضحة الأبعاد مميزة فقد بدأ ببدء البشرية وأتخذ أشكالا وطرقا تباينت وتفارقت بتباين الأحقاب والجماعات وتطور الكيفية والأسلوب والمنهج وتأثر بتطور البشرية المطرد، وخضع لآراء ومذاهب فلسفية ودينية ونفسية وتربوية وكانت تلك المذاهب تدفعه الى الأحسن من ناحية وتؤثر في رقيه من ناحية أخرى وعبر هذا الطرق الطويل المليء بالامتحانات والتجارب والنجاح والفشل وصل التعليم الى مرحلة وان كان بحاجة الى التوجيه والتحسين إلا أنه يمتلك القدرة التي تجعل الوسيلة الساعية للنهوض بالأمة والسير بها الى الأفضل أفرادا وجماعات من حيث ثراؤه العلمي ومفهومه التربوي.
التعليم عملية ثنائية الأركان قوامها العلم والمعلم فالعلم والحمد لله في تقدم وازدهار ولا داعي للدخول في التفصيلات بقي علينا الولوج في خضم موضوع الركن الثاني(المعلم).
وقد توج هذا اللفظ بأسمى آيات التقديس والتقدير وقرن بالجهاد والتضحية والمثالية وليس ذلك من باب المجاملة ولا من باب الملق فإلى الآن المعلم هو الشمعة التي تحترق لتنير الدروب للآخرين.
وبحسب قول أحمد شوقي (كاد المعلم أن يكون رسولا) ترى ما هي المقومات التي تخلق من ذلك المعلم رسولا ومجاهدا ومثاليا، بالتأكيد ليست القضية متروكة للصدفة ولا لمجرد التجربة كما كان في سالف العصور، فالأمر أصبح واضح الحدود والمقومات الأساسية التي لابد من توفرها تتمركز في سيكولوجية المعلم.
وحيث أثبت علم النفس الحديث أن لدى المرء صفات جسيمة وعقلية وخلقية موروثة وغير مورثة هي محصلة عدد كبير من الصفات والعادات والأفكار والحوافز والعواطف فالشخصية على هذا الأساس تشمل كل ما يحيط بالفرد من حالات صحية وانفعالية وذكاء ومواهب فطرية وثائقية ومثل وأخلاق ومبادئ وخبرات اجتماعية حصيلتها جمع هذه المقومات قياسا لتأليف الشخصية الإنسانية.
ولأجل مجابهة الحياة لا بد من توفر عامل الشخصية القوية كشرط أساسي في النجاح حيث إن الخبرات العلمية وحدها لا تكفي لبناء شخصية رصينة وقوية وبالتالي لا تكفي للنجاح فالعلم والشخصية القوية شرطان في الوصول الى النجاح.
من هنا الجدير بالذكر أن أول يكون المعلم الذي ينشد النجاح متسلحا بقوة الشخصية ذلك لأن عملية التعليم ليست عملية حشو معلومات في ذهن التلميذ فحسب، إنما العملية أدق وأرفع فهي تأثير في سلوكيته وتفجير لطاقاته الكامنة وتوليد الرغبة في نفسه لمحبة العلم والبحث الى جانب تهذيب الميول والعواطف.
سابقا كان ما يتنسم به المعلم الجيد البساطة والفهم، ففي البساطة كان يتجلى عظمة العمل الذي يقوم به، وهو في قرارة نفسه مؤمن بفائدة ما يقوله وما يعمل به متحسس لواجبه فالمعلم الذي لا يكون مولعا ومتحمسا في تعليم طلابه لا يمكن أن يخرج طلابا مولعين ومتحمسين في الواجب الذي يدرسونه.
فالحماس وسيلة طيبة للاحتفاظ بطراوة الشباب وهو دليل على الجرأة والإقدام في الحياة، كما إن من سمات شخصية المعلم الجيد أيضا ثقته بنفسه ورأيه ومعتقده مواصل الاطلاع مزيد المعرفة شغوفا بعمله فان كان مرحا دائم الابتسامة متزن الفكر متوددا للجميع متسامحا فاهما لمشاكل طلبته معدا لها في روحه ونفسه، مؤمنا برسالته ومعلما لثقافة السلوك التربوي، هو من يقتدر على جعل طفل ساذج بسيط عنصرا ناتجا لا تؤثر فيه التيارات ولعل الأمر فيه صعوبة ومشقة ولكن ليس ضربا من المستحيل فالمعلم الناجح مرآة الطالب ومثله الأعلى.
ومما لا شك فيه إن العديد يوافقني في إن قيمة كل امرئ ما يحسنه، والإحسان فضيلة وكل عضو من أسرة التعليم ينبغي أن يضع أمام عينه إن البراعم ودائع المستقبل.
ولأن المعلم الذي يعي رسالته هو الذي يستحق شرف التقديس والإجلال فأن من يعتبر هذه المهنة وظيفة حكومية بمعناها المألوف ولا يفكر إلا في متى يحل (رأس الشهر) فهذا داء وليس دواء، كما إن الراحة لنفسك وجسمك ليست في المقاهي وليس لائقا أن تكون مثل هكذا بيئة مقرا لك، فقليلا من التنور العلمي والثقافي ومكانتك ومنزلتك التربوية لا تتناسب مع (الدمنو والنرد)؛ إنما الرفعة هي مَن يجب أن تكن رائدك فأنأى بنفسك عن صغار الأمور وأرق بها الى مصاف أهل العلم والثقافة وليكن الديدن هو السلوك التربوي الذي يليق برجال التربية.
حظي بعض الحلاقين في تاريخ الأمم والشعوب بمنزلة كبيرة، ومنهم من تبوأ مقاماً مرموقاً كونه كان حلاقا لأحد الملوك أو الوجهاء، وعندما يتطرق الحديث إلى الحلاقين يتبادر للذهن تلك القصة المشهورة عن ذلك الفتى الذي ضربه المعلم فقال له: " كيف تضربني وأبي يطأطئ له رأس الوالي ومن في المدينة؟"، وعندما سأل عن والدهِ قيل له إنه حلاق معروف.
ففي السابق أصحاب المهنة لا تملك المال الكافي لفتح صالون حلاقة، ولكن الحلاقة في عصرنا اتخذت منحى جديدا ولم تعد رمزا ثقافيا أو اجتماعيا، بل غدت مهنة كسائر المهن التي يتعاطها الرجال والنساء على حد سواء، كما عرفت تغييرات كثيرة في نظرة الناس للحلاقين، ونظرة الحلاقين أنفسهم لمهنتهم.. واليوم أكثر صالونات الحلاقة تجد لديها مختلف قصاة الشعر وتصفيفه، وبدا واضحا إن الانفتاح على الأمم والشعوب واهتمام الفنانين والمشاهير ولاعبي كرة القدم حين تواجدهم بمظهر لائق، ما حذا بالشباب أن يقلدوا أكثرهم بطريقة قصاة الشعر وتصفيفهِ، لكن مثل هذه الثقافات تسللت الى المدن التي تحمل الطابع القدسي بشكل بطيء جدا؛ والسبب واضح للعيان، فما يبدوا واضحا إن انفتاح باقي المدن العراقية على الثقافات الدخيلة لافتقار أهاليها وابتعادهم عن ثقافة الدين وما يدعو إليه حتى في أبسط الأمور ومنها موضوعنا ..
فكانت لمجلة الروضة الحسينية جولة بين محلات قصّ الشعر، وجولة بين تاريخين بعيدين بين ماض بعيد وحاضر معاش..
ومع حركة كرسي الحلاقة الخشبي الذي يعود بذاكرته ليجيبنا عن تساؤلات قد تجول في ذهن كل من يود أن يقف متأملاً ويسأل، كم زبون حمله هذا الكرسي؟ وما هي الحكايات التي سمعوها، أمام هذه المرآة الشاهدة وحدها على وجوههم قبل الرحيل، فيحدثنا مهنا رباط الدرويش الباحث التاريخي عن عُدةِ الحلاقة القديمة الموس التي تشحذ بواسطة (القايش) وهو عبارة عن قطعتين متوازيتين من جلد البقر المشدود إلى مقبض معدني، ثم ينتقل إلى الإناء النحاسي الذي كان يستعمل لغسيل الذقن بعد الحلاقة.
ويتوقف الدرويش قليلاً عن الحديث وكأننا قد حرضنا ذاكرته على الصمت والتأمل، وربما جالت أمامه الذكريات بلوحة كرتونية صغيرة كتب فوقها (طهور الولد بـ 200 فلس) فيصل بنا الى قرن التاسع عشر، حيث كان الحلاق يمتهن مهنة أخرى هي التطبيب والختان، وقلع الأضراس..
ومحال الحلاقة تلك مسكونة بنكهة الماضي، وبآلاف الحكايات التي رويت على أسماع الزبائن، ولم يبق سوى الجدران، والمرآة والكرسي، وعدّة الحلاقة القديمة، فمن رفات أسماء الحلاقين القدامى التي استعادتها ذاكرة الدرويش: الحاج إبراهيم گمبر من العقد التاسع في القرن التاسع عشر وهو أقدم حلاق استطاعت ذاكرة الدرويش تسجيله في مؤرخاته، والحلاق الكربلائي توفي منذ عقود كما أغلب زبائنه، وحيث كان لهذه المهنة أصولها، وضوابطها، كان على الحلاق أن يكون قاصاً أو راويا يجلس في بعض المقاهي الشعبية ليحكي قصصا وروايات، والأهم أن يكون أميناً، وكاتماً للسر فأول جملة كان يُنطق بها عند فتح المحل (يا ستار يا كريم يا رزاق).
فيما قال الحاج جدوع حمد (88) سنةً يعمل مزارعا لأكثر من 70عاما، ومن سَكنت مدينة كربلاء، عاصر جيل العقد الثالث من القرن المنصرم، وكان مطلعا على مجريات التغير والتطور الحاصلة في مدينته حتى يومه هذا، وعن حرفة الحلاقة عاد بنا الى سجل ذكرياته القديمة ليحدثنا عن الحلاقين منذ عام 1930، فقال: "كان يعرف الحلاق في السابق باسمٍ آخر هو (المزين)، ولم يكن لأكثر الحلاقين دكاكين (مقرعمل) بل كانوا يتجولون الأزقة والأسواق حاملين معهم عدة الحلاقة المتمثلة بالمشرط وجلد لغرض برد المشرط ومقص ومشط مصنوع من الخشب، فضلا عن المقعد وهو علبة السمنة الفارغة حيث يجلس عليه الزبون، ويتدلى من طرفيها حبلا يساعد الحلاق لحملها على ظهره، وحقيبة خشبية تضع فيها عدة الحلاقة، وكان الحلاق حيث يجد الزبون يضع علبة السمنة ويأخذ جانبا معينا من المكان ليبدأ لزبونه بالحلاقة"..
حمد أضاف: "إن الحلاق (المزين) كان ما يظهرُ عليه في السابق الفقر، بدليل أن أغلب الحلاقين لم تكن لديه دكان، بل كان يتجول لكسب قوته وكان عدد الحلاقين قليل ففي كل منطقة (محلة) من مناطق كربلاء السبع القديمة كان يوجد حلاق واحد أو اثنين" ..
وتابع حمد مستطردا بذكرياته عن الحلاقين قائلا: " في بداية العقد الخامس من القرن العشرين بدأ الحلاقون بتحديد أماكن تواجدهم لأنهم كثروا في هذه الحقبة وأصبح لكثيرٍ منهم محالا تذهب لهم الزبائن وبقي الحال هكذا الى بداية العقد السادس حيث بدا التطور شيئا فشيا من خلال وضع المرايا والكراسي الجيدة والاهتمام بشكل أفضل بالزبائن، ثم إن هذه الفترة كانت نوعا ما أكثر نفعا للحلاقين فأتخذ البعض منهم من يوم الاثنين استراحة له ليهتم بإدامة المحل والخروج برفقة أسرته الى زيارة المراقد المقدسة بعض الأحيان"..
في حين يبين لنا فاضل عبد الأمير الخفاجي (60) عاما، وهو من أبناء مدينة كربلاء أيضا، يبين في حديثَه لنا مبتسما عن حلاقي السابق قائلا: "سمعنا عن حلاقي الماضي وهذا ما تحدث به آباءنا إن البعض منهم كان ذو شانا كبيرا لأنه كان يحلق لوالي المدينة أو شيخ عشيرة ولأن أكثر الأهالي كان يبحث عن وسيط بينه وبين ضالته كان كثيرا ما تجد الحلاقين هم أولائك الوسطاء، هذا لغاية العقد الثاني من القرن الماضي، وبعد الحروب التي توالت على العراق والتغيرات التي طرأت كان الحلاق من بين من عانى من المواطنين من سوء الحال وصعوبة المعيشة، الى العقد السادس حيث بدا الحلاقون بفتح محال الحلاقة لتستقر أوضاعهم نوعا ما والبعض منهم هاجر الى بغداد لأنها منفتحة على التطور والتغير مع كل جديد ليمارس مهنته فيها بشكل يدر عليه بمال أكثر مما كان عليه"..
وعن أول ظهور لمهنة حلاقة النساء في كربلاء قال الخفاجي " لم نسمع لغاية السبعينيات بصالونات الحلاقة النسائية في كربلاء، لكن مع بداية حكم نظام البعث البائد العراق الذي عمل على إتاحة الفرص للنساء بممارسة مثل هذه المهن، كان مثلا نسمع إن توجد فلان امرأة بالمنطقة الفولانية تعمل على تجميل العرائس والنساء في بعض المناسبات علما إن مَن كانت تعمل مثل هذه المهن لم تكن تسكن المحلات السبع القديمة الى سنة 1980 تقريبا احتراما لقرب هذه المحلات من العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين "..
وأكد فاضل: "إن أكثر الأسر الكربلائية لم تكن تسمح لنسائها بارتيادها صالونات النساء حتى بداية العقد التاسع، وتحديدا بعد الحرب العراقية الكويتية ونزوح الكثير من الأسر البغدادية الى كربلاء المقدسة التي أثرت بشكل ملحوظ على تفعيل عمل الصالونات بشكل خاص"..
وقالت سعاد البازي(أم حسن) 41 عاما، إحدى العاملات بمهنة الحلاقة النسائية: " أن مجال حلاقة الشعر بدأ في كربلاء بعد عام 1980 وكانت يسيرة وتقتصر على بعض النساء العاملات في هذا المجال في أماكن متفرقة بنواحي مدينة كربلاء، وهذه المهنة لم نتمكن من خلالها بناء ثروة أو امتلاك صالون حلاقة في السابق، فلدي في هذه المهنة 34 سنة خبرة، ومع هذا بالكاد كنت أساعد زوجي في توفير لقمة العيش للعائلة، ولكن اليوم صالونات الحلاقة تساعدك على الحياة لأنها بدت تدر بأموال كثيرة خصوصا فترة الأعياد وبعض المناسبات "، وتابعت أم حسن "النساء كن يخترن هذا العمل لأنه لا يحتاج لقوة عضلات بل لطول البال والصبر"، وأردفت بندم "لو عاد بي الزمن لما اخترت هذه المهنة".
أما رسول علوان الوزني الكربلائي (48) عاما، حلاق يعمل في هذه المهنة أكثر من 35سنة منذ إن كان طالبا في التعليم الابتدائي، حيث عاصر الحلاقين القدامى في مدينته وتحدث لنا عن مهنة الحلاقة سابقا فقال إن الحلاق في السابق لم يكن يقتصر على الحلاقة بل كان يمارس مهنة التطبيب معها كقلع الأسنان وختان الأطفال والحجامة والتضميد بل كان بعضهم يطبب حتى المواشي والخيل"..
يتابع رسول بحديثه عن شخصية الحلاق مبينا إن أكثر الأماكن التي ظهر بها الحلاقين في كربلاء هو سوق وشارع معاوية ما يسمى اليوم بشارع حبيب بن مظاهر (رضوان الله عليه) حيث يفترشون الأرض انتظارا للزبائن، ثم ذكر بعض الطرائف التي شاهدها عن الحلاقين وهو إن أحد وجهاء المدين قصد ذات يوم للحلاقة في شارع حبيب (رضوان الله عليه) فجلس عند أول حلاق وبعد أن أكمل حلاقته أعطى الحلاق أجرة كبيرة في وقتها قيمتها ربع دينار حيث كانت أجرة الحلاق درهم، ولما عاد ذات الشخص الى ذات الحلاق بعد أسبوعيين أهتم ذاك الحلاق به وحلق له بشكلٍ جيد أظهره بأناقة أكثر فأعطى أجرة الحلاقة هذه المرة درهم ولما سأله الحلاق لماذا؟ قال الوجيه إن هذا الدرهم أجرة حلاقتهِ عنده لأول مرة أما أجرة حلاقته هذه فقد أعطاياه في المرة السابقة..
رسول الذي أحب هذه المهنة من صغر سنه يقول :" إن الحلاق في السابقكانت أجرته درهم أو عدة دراهم مع مرور الزمن الى أن أصبحت اليوم بآلاف الدنانير لكن الحلاق كان يحلق لبعض المزارعين سابقا مقابل رطل من التمر أو الفواكه بشكل مؤجل أو آجل"..
أما جبار علو (75) عاما وهو حلاق 48 سنة زاول مهنة الحلاقة خلال تنقله في محافظات الجنوب وبغداد حتى أستقر به المطاف بأن يعود الى مسقط رأسه كربلاء، ليفتح محلا مع أولاه الأربعة ويخلفهم حرفته، وفي رده علىسؤال سبب اختياره لمهنة الحلاقة يقول: "أحببت مهنة الحلاقة منذ صغري، عندما كان والدي يأخذني للحلاق وفي ذلك الصالون نفسه تعلمت الحلاقة" وعن كيفية تعامله مع الزبائن وردود فعلهم عند بداية مشواره ذكر أنه مر بمرحلة حرجة جدا "عندما بدأت العمل حصلت عدة مشاكل، منها مع والدي فقد كان حريصا على تعلمي هذه المهنة وكان شعره ولحيته أول الضحايا، فقد سالت دماء كثيرة من وجهه قبل أن أتعلم الحلاقة، وكان يشجعني على الاستمرار رغم جراحه البليغة".
وعن بقية الزبائن يقول علو: "كان بعضهم يحاول الفتك بي، وبعضهم الآخر يشبعني سبا، فلم يكن التعلم سهلا ومن دون ثمن". وللعلم، من النادر في كربلاء أن يكون الحلاق صاحب صالون، فهو إما أجير عند صاحب المحل، أو يعمل بنسبة من الأرباح. وثمة من يقوم بتأجير الصالون ومن ثم يدعو حلاقين آخرين للعمل معه بالأجرة. وإذا كان البعض يعمل منفردا أو مع مجموعة من الحلاقين، أحيانا من الجنسين..
صعوبة تكوين ثروة من خلال المقص..
وفي حوار علو عن صعوبة تكوين ثروة من خلال المقص فيقول: "لم أتوقف عن العمل سوى في فترة الحرب (1991) حيث تفرغت لرعاية أبنائي وهم الآن كبار، ويفضل علو حلاقة الرجال على النساء قائلا: "إن الرجال أقل ملاحظات وأسهل في التعامل داخل صالونات الحلاقة مبديا رأيه هذا لأن أحد أبناءه الأربعة كان صاحبة صالون نسائي وهي تزاول مهنة الحلاقة منذ أحد عشر عاما، وبيّن علو تبعا لما يسمعه من أبنته أنه يفضل أن يحلق شعر رجلٍ من أن يصفف شعر امرأة كما كان ببغداد".
أما أمير طالب وهو حلاق شاب (29) سنة يعمل أجيرا للحلاقة في محل خاله، وهو في ذات الوقت شابا مكافحا حيث إنه مستمر بدراسته في الجامعة، وأمير قد حدثنا عن صالونات الحلاقة الحديثة بحسب ما سمعه من معلمه في الدكان، إن الحلاقة اليوم تمتاز بالنظافة والأناقة للحلاق وتجهيز محله بكافة المستلزمات المطلوبة"..
وعن الفرق بين الحلاقة القديمة والحديثة يبيّن أمير إن الحلاقة القديمة لا تمتاز بالنظافة لعدم وجود المواد المعقمة والمستحضرات الموجودة اليوم فضلا إن اليوم اهتمام أكثر الرجال وعلى وجه الخصوص الشباب يهتم بأن يكون بأبهى صورة فهناك من يقصدنا للحلاقة في الأسبوع بمعدل مرتين أو مرة"..
وبالنسبة لعالم الموضة ودور الحلاقين يوضح أمير: "إن الموضة عالم واسع ومتابعته تكون عن طريق المجلات وبعض القنوات التي تقدم كل جديد في عالم التسريحات والقصات أضف إلى ذلك الملاحظة التي يجب أن يتميز بها الحلاق من خلال متابعة القصات الجديدة التي يراها على رؤوس الناس، أما أهم القصات الدارجة حاليا قصة "الفلاة وسبايس" والأولى تتلخص في الحفاظ على الشعر أعلى الرأس بشكل سابل وتخفيف الشعر عن جوانب الرأس إلى حد درجة الصفر، وهذا يعطي الرأس شكلا مربعا، أما الثانية هي تصفيف الشعر من خلال القص والسيشوار، حيث يأخذ الرأس شكل أحد الطيور ولكن يبقى للحلاق تقدير القصة المناسبة من خلال شكل الرأس الذي أمامه، فالرأس المستدير تناسبه القصات القصيرة مثلا والرأس الذي يأخذ الشكل الطولاني يفضل فيه أن يكون الشعر متناسقاً وبطول واحد وطبعا أنا أفرض رأيي والرأي الأخير للزبون، لأنه يود أن يقلد الفنان أو اللاعب الذي أبتكر هذه القصة".
وحينما بادرنا أمير بسؤالنا هل هذه المهنة مربحة؟ وهل تجد نفسك فيها؟ فأجابنا قائلا: "بالنسبةِ لي هي ممتازة ولكن برأيي ليس هناك مهنة مربحة ومهنة غير مربحة، وإنما جهدك وإخلاصك لمهنتك هو الذي يجعلها مربحة أو لا، أما مهنة الحلاقة فنعم أحبها جدا ولا أحب استبدالها بأي مهنة أخرى، وأكون مسرورا جدا عندما يأتي إلي زبون ليشكرني لأن رفاقه هنئوه بقصة شعره الجميلة فعندها أشعر بأنني قدمت له أو ساهمت في زيادة الجمال في مظهره"..
الحلاقة بين الإرهاب وإرهاصات المجتمع..
عن بعض المعاناة التي أدركت الحلاقين يذكر أمير: " إنه بعد سقوط النظام البائد كانت هناك جهات شتى بينها ميليشيات وعصابات مسلحة وراء تهديدات الحلاقين بقطع رؤوسهم، فكان الكثير من الحلاقين يلجأون لمزاولة عملهم بشكلٍ سري، وباتت مهنة الحلاقة والحلاقين في عموم العراق، وتحديدا في بغداد، هدفاً لرصاص العصابات المسلحة والميليشيات، فبدلاً من أن تكون مهنة تدر على صاحبها الرزق الوفير باتت تستنزف معها حياتهم بعدما أصبحوا عرضة للقتل المبرمج تحت تسميات طائلة وفتاوى تأخذ معها أرواحهم الواحد تلو الآخر ولم يفرق الموت بين النساء والرجال الذين يمتهنون هذه المهنة القديمة الحديثة ثم ما لبثت هذه الاعتداءات حتى تلاشت تدريجا ولكن بعد قتل الكثيرين منهم..
وأمام هذا الوضع تحول اغلب أصحاب محلات الحلاقة النسائية والرجالية الى العمل بشكل خفي خوفاً من المجهول الذي ينتظرهم بعد أن قضى كثيرون من زملاء المهنة نحبهم بطرق بشعة تحت بند التحريم حتى اضطر بعضهم الى تعليق الإعلانات التي تتماشى مع فتاوى المتشددين على زجاج محالهم مثل "نعتذر عن أخذ الخيط" بالنسبة للرجال أو "نعتذر عن عمل مساج الوجه" كونها لا تمت للرجولة بصلة ـ بحسب المتشددين ـ فيما يعلق الحلاقون الآخرون إعلانات يعتذرون فيها عن ممارسة القصات الحديثة للشعر للشباب أو حلق اللحية وهذا ما يلاحظ كثيراً في المناطق ذات الغالبية السنية والتي تسيطر عليها الجماعات المتشددة.
وقال (مسلم حميد)، (18) عاما، "انه خضع لتحقيق مطول من قبل إحدى الميليشيات التي زعمت إن حلاقته مخالفة لتوجهاتهم التي ينتهجونها وبعد عدة أيام أطلقوا سراحه".
أم سارة صاحبة صالون حلاقة للنساء تقول: " سابقاً بعد احتلال العراق وتواتر الأحداث زادة مخاوفي بسبب التهديدات التي تعرضت لها صالونات النساء في السابق فكنت لا استطيع أن افتح باب الصالون خصوصاً قبيل أيام الأعياد بسبب كثرة الزبونات، فبت حبيسة البيت أزاول مهنتي بالخفاء للطالبات والجيران فقط " وتتابع: "على أثر ما تعرضت له صالونات الحلاقة من أطلاقات نارية أودت ذات مرة ٍ بحياة زبونة حيث كانت عروسا جُن زوجها حال سماعهِ بخبر مقتلها "..
الشاب (ميسم طه) أحد زبائن المحل قال عندما سألناه عن رأيه:" أنا زبون دائم في هذا الصالون لأنني أجد من يفهمني ويقدم لي النصيحة في الحلاقة ليعطيني منظرا جميلا وأنا أحب قصة "السبايك" لأنها تعطي الوجه شكلا جميلا ويناسب الموضة.
الشاب (نورس أنور) قال: "أقصد صالونه دائما ليس فقط لأنني أعرف أنه يجيد الاعتناء بمظهري بل لأنه يتابع كل جديد في عالم الحلاقة، ويجعل من صالونه مكانا جميلا، ومع أنني أفضل موضة الشعر القصير، لكنه دائما يقنعني بالقصة التي يراها مناسبة أكثر لشكل وجهي وبعد الحلاقة أعرف أن رأيه كان الصحيح"
الحلاق رغم إن مهنته لا تندثر ولا تقل أهميتها ما دام للإنسان شعر في الرأس والوجه، لكن المهام التي كان يقوم بها الحلاق أيام زمان غيرها في الوقت الحاضر إضافة الى إن أدوات الحلاقة سابقاً تختلف كلياً عنها في الوقت الحاضر، كما إن ماضي الحلاق كان لا يقتصر على حلاقة الرأس فأن حاضره أقتصر على الحلاقة والتجميل فضلا عن دوره الهام اليوم في القنوات الفضائية تحت مسمى (الماكير) لزينة الإعلاميين وضيوفهم ومكاتب الإنتاج التلفزيوني والمسرحي وما شابه ذلك..